
التكامل الاقتصادي
يعيش العالم اليوم متغيرات عديدة تستوجب من الدول إعادة النظر مرة اخرى في مسارها , حيث اصبح من المستحيل ان تحقق دولة ما متطلباتها بجهد منفرد دون ان تلجا الى غيرها من الدول لتبادل وتقاسم المنافع المشتركة كما ان هذه المتغيرات العالمية المتلاحقة لا تخلو من بعض المخاوف والمخاطر ولا تستطيع الدولة منفردة ان تتحمل تلك المخاطر بل ان المخاطر تقل كلما كان التعاون والتبادل اكبر بين الدول لذا نجد ان التعاون والتوجه نحو الاقليمية والتكتلات الاقتصادية يزداد يوما بعد يوم
ويعتبر التكامل الاقتصادي بين الدول النامية جانبا من جوانب متعددة يدخل في استراتيجية التنمية إذ يستحيل تحقيق تنمية مستقلة في مواجهة نظام دولي يرفض هذا التوجه بإمكانية فردية ومن هذا المنطلق استمدة فكرة التكتلات الاقتصادية شرعيتها ومبرراتها .
لذلك يشهد القرن الحالي نمطاً جديدا من التعاملات الاقتصادية الدولية تتمثل في ظهور اتجاه ينادي بضرورة تحرير التجارة الدولية من القيود والعوائق التي تعترض سبلها بين الدول ويسعى هذا الاتجاه إلى زيادة التعاون الاقتصادي بين دول العالم نظرا لكفاية الوسائل والطرق الممكنة .
نشأة التكامل الاقتصادي
ترجع فكرة التكامل الاقتصادي إلى أكثر من مائة عام فقد نشأ أول تكتل من هذا النوع في الولايات الألمانية قبل وحدة ألمانيا، ثم أعقبتها تكاملات أخرى مثل تكامل المستعمرات الإنجليزية مع الدولة الأم التي عرفت باسم سياسة التفضيل الإمبراطوري، وكذلك تكامل فرنسا ومستعمراتها وغير ذلك من التكتلات الأخرى إلا أن خصائص هذه التكاملات القديمة كانت تتسم بسياسة ربط المستعمرات بالدولة الحاكمة ومحاولة استغلال موارد هذه المستعمرات وذلك لتحقيق الرخاء للدولة الأم.
لهذا نقول أن ظاهرة التكامل الاقتصادي ليست بالظاهرة الجديدة إلا أن ظهورها كتجربة اقتصادية كانت بعد الحرب العالمية الثانية اتخذتها مجموعة من الدول سواء كانت نامية أو متقدمة، رأسمالية واشتراكية، وهذا لمواجهة مختلف التحولات التي شهدها العالم في تلك الفترة فظهرت هذه التكاملات كنتيجة للقيود في العلاقات الدولية وكمحاولة جزئية لتحرير التجارة بين عدد من الدول، فظهرت التكامل الاقتصادي في صورة مشروعات فردية قدمتها أمريكا للدول الأوروبية ودول الشرق الأوسط، مثل مشروع “مرشال” الذي يهدف إلى تقديم المساعدات الاقتصادية المصحوبة بشروط سياسية وعسكرية، وقد كانت شعوب قارة أوروبا أول من ساهم في نشأة هذه التكتلات وذلك بحكم ما تعرضت إليه هذه الشعوب من أزمات اقتصادية نتيجة للحرب العالمية الثانية، فذاقت ويلات الهزيمة وأصبحت دول هذه الشعوب منهارة اقتصاديا وعاجزة عن النمو فأدركت بأنه لابد من تكتلها ومن
جميع النواحي لإعادة بناء اقتصادياتها ومواجهة السيطرة المفروضة من طرف الولايات المتحدة الأمريكية والاتحاد السوفيتي، ومواكبة مختلف التطورات الكبيرة في العلم والتكنولوجيا. من هنا تكاملت دول أوروبا الغربية في شكل سوق مشتركة سنة 1957، وكانت هذه الأخيرة صورة مثلى للعديد من الاقتصاديين والسياسيين الذين اعتبروها نموذجا يحتذي به بين مجموعات دولية أخرى، ثم انتقلت ظاهرة التكامل إلى مجموعة أخرى من الدول، فنشأت منطقة التجارة الحرة لأمريكا اللاتينية، والسوق المشتركة لدول أمريكا الوسطى، وعمدت دول أوربا الشرقية على إنشاء منظمة “الكوميكون” أما في المنطقة العربية تم إنشاء السوق العربية المشتركة، كما نشأت أيضا اتفاقات إقليمية في المنطقة الإفريقية والمنطقة الآسيوية.
فمفهوم التكامل الاقتصادي أساسا نشأ وتطور في ظل البلدان الصناعية وأصبح ينظر إلى هذه التكاملات على أنها ضرورة ملحة خاصة في مرحلة تطور القوى المنتجة التي وصلت إلى مستوى معين من التطور والتقدم وساعد في ذلك العلم والتقنية وتزايد الإنتاج والتعميق الحاصل في عملية تقسيم العمل الدولي.
مفهوم التكامل الاقتصادي
يعرف التكامل الاقتصادي على انه يعبر عن درجة معينة من درجات التكامل الاقتصادي الذي يقوم بين مجموعة من الدول المتجانسة اقتصاديا وجغرافيا وتاريخيا وثقافيا واجتماعيا، والتي تجمعها مجموعة من المصالح الاقتصادية المشتركة، بهدف تعظيم تلك المصالح وزيادة التجارة الدولية البينية لتحقيق اكبر
عائد ممكن، ثم الوصول إلى أقصى درجة من الرفاهية الاقتصادية لشعوب تلك الدول
ويمكن تعريف التكامل الاقتصادي بأنه تجمع عديد من الدول التي تجمعها روابط خاصة بالجوار الجغرافي أو التماثل الكبير في الظروف الاقتصادية أو الانتماء الحضاري المشترك هذا التجمع يكون في إطار معين قد يكون اتحادا جمركيا أو منطقة تجارة حرة.
خصائص التكامل الاقتصادي و خطوات تحقيق أهدافها :
للتكامل الاقتصادي عدة خصائص وأهداف تسعى إلى تحقيقها منها على سبيل الايجاز :-
-1تتصف التكاملات الاقتصادية بحجومها الضخمة من حيث مواردها وإنتاجها، واتساع أسواقها الاستهلاكية والإنتاجية، وتنوع هياكلها الاقتصادية ومواردها وكثافة حجم سكانها.
-2 حرية تنقل السلع والخدمات والأشخاص ورؤوس الأموال والاستثمار بين الدول المتكتلة.
-3 المنافسة الحرة بين الدول المتكاملة في المنطقة التكاملية ولها سياسة تجارية موحدة تجاه الدول الأخرى خارج نطاق التكتل.
-4 ارتفاع نسبة التجارة البينية من مجمل تجارتها الخارجية وهذا ما يجعلها تخفض من التبعية الاقتصادية، أو تكون لها درجة عالية من الاستقلالية الاقتصادية بالنسبة للدول الخارجة عن المنطقة التكاملية هذا ما يؤدي إلى الارتباط بين الدول المتكتلة من خلال تشابك اقتصادياتها وأسواقها.
-5 قوتها في التفاوض على المستوى الدولي هذا للدفاع عن مصالحها ضد التكاملات الاقتصادية الأخرى ، ومن ثم تكون الدول التي تنتمي إلى التكامل في موقع أفضل من ناحية المساومة أو التفاوض مهما كان شكله.
– 6 توفير مزايا ومكاسب تعجز الدولة منفردة عن تحقيقها.
– 7 الاستفادة من رؤوس الأموال والأيدي العاملة الماهرة والاستغلال الأمثل للموارد المتاحة في المنطقة التكاملية.
– 8تحقيق نمو اقتصادي مستمر كنتيجة للآثار الديناميكية المتعلقة بحجم السوق وتحسين مناخ الاستثمار وزيادة المنافسة الناتجة عن فتح الأسواق .
خطوات تحقيق أهداف التكتلات الاقتصادية
التكاملات الاقتصادية تستطيع تنمية الفعاليات الاقتصادية للدول الأعضاء تنمية سليمة وهذا وفقا للمبادئ النظرية الاقتصادية وبالتالي تحقيق الرفاهية لشعوبها، إلا أن هذه التكتلات يجب أن تتبع الخطوات التالية حتى تسعى لتحقيق
التكامل الاقتصادي تستطيع تنمية الفعاليات الاقتصادية للدول الأعضاء تنمية سليمة وهذا وفقا للمبادئ النظرية الاقتصادية وبالتالي تحقيق الرفاهية لشعوبها، إلا أن هذه التكتلات يجب أن تتبع الخطوات التالية حتى تسعى لتحقيق أهدافها:
-1 أن تكون لدول التكامل سياسة تجارية موحدة تجاه العالم الخارجي، مع تطوير هذه السياسة وامتيازها بالمرونة وفقا لتطور الأوضاع والعلاقات الدولية الاقتصادية.
– 2 الالتزام بالمنافسة الحرة داخل المنطقة التكاملية هذا ما يستدعي منح المنتجين على تقسيم الأسواق وتحديد الأسعار.
-3إلغاء القيود على حركة السلع وعناصر الإنتاج بين الدول الأعضاء مع خضوع تحركات الأشخاص للقوانين السائدة في كل من هذه الدول.
-4التعاون مع الدول الأعضاء على تحقيق التوازن في موازين المدفوعات بالنسبة للدول التي تحقق عجز في موازينها خاصة في بداية قيام التكتل الاقتصادي.
-5إنشاء الصندوق الموحد للتعاون الاجتماعي بين دول التكتل يكون هدفه تدريب العمال وتأهيلهم تأهيل تكنولوجي.
-6 إنشاء بنك الاستثمار الموحد خاص بدول التكامل يهدف إلى تمويل الصناعات التي يجب إقامتها لاستغلال الإمكانات الصناعية المتاحة في هذه الدول وإعادة بناء الصناعات القائمة مع صراعات التقدم العلمي والتكنولوجي الحديث.
-7 إنشاء الأجهزة الإدارية المختلفة بجانب الإدارات الفنية الضرورية التي تستلزمها تنفيذ الأهداف المختلفة التي يحددها التكتل لنفسه في كل مرحلة من مراحل تطوره.
-8يجب أن لا تقتصر وظيفة الإدارات والأجهزة المختلفة على إعداد خطط التنسيق، وإنما يجب أن تمتد كذلك لتشمل تتبع التنفيذ وتقديم النتائج، على أساس ما يجتمع لديها من معلومات وبيانات إحصائية.
المراحل التي يمر بها التكامل الاقتصادي .
وللتكامل العديد من الأشكال والتي يمثل كل منها مرحلة من مراحل التكامل الاقتصادي:
1. المرحلة الأولى: اتفاقات التجارة التفضيلية.
وخلال هذه المرحلة يخفض دول التكتل من العوائق التجارية بين بعضها البعض مع المحافظة على مستوى من العوائق على السلع المستوردة من خارج التكتل. وقد يكون التخفيض من مجموعة صغيرة من الدول في التكامل,حيث نلاحظ أنها تمنح تفضيلات تجارية لوارداتها من الدول الأخرى.
2. المرحلة الثانية: منطقة التجارة الحرة, Free Trade Area.
والتي تنص على أنه عند إنشاء منطقة التجارة الحرة فإن العوائق التجارية المفروضة على المنتجات المتداولة بين الأعضاء تزال تماماً مع محافظة كل بلد على عوائقه التجارية ضد السلع المستوردة من الدول غير الأعضاء.
3. المرحلة الثالثة: الاتحاد الجمركي , Custom Union.
وهو درجة أكثر تعدماً من التعاون الاقتصادي بين الدول الأعضاء والتي من خلالها تلغى جميع العوائق التجارية على السلع المتبادلة داخل التكتل بالإضافة على تبني نظام عوائق تجارية موحد ضد السلع المستوردة من خارج التكتل.
4. المرحلة الرابعة: السوق المشتركة, Common Market.
وهي تشمل بالإضافة إلى ما سبق تحرير انتقال عناصر الإنتاج (عمال ورأس مال) بين الدول الأعضاء.
5. المرحلة الخامسة: الاتحاد الاقتصادي, Monetary Union.
وهي تشمل إقامة سعر صرف ثابت بين الدول (منطقة عملة) وذلك بالإضافة إلى ما سبق في المراحل السابقة.
6. المرحلة السادسة: الإتحاد الاقتصادي,Economic Union.
والتي من خلالها تتلاشى حرية الدول منفردة في إتباع سياسيات اقتصاد كلية مستقلة, أي انه في هذه المرحلة تنتهي حرية تبني سياسات مالية ونقدية خاصة بكل بلد لتحقيق أهداف الاقتصاد الكلي المحلية (مثل التضخم والبطالة…….)
أمثلة عن التكتلات الاقتصادية :
الاتحاد الأوربي :
الاتحاد الأوروبي هو جمعية دولية للدول الأوروبية يضم 27 دولة، تأسس بناء على اتفاقية معروفة باسم معاهدة ماسترخت الموقعة عام 1992 م، ولكن العديد من أفكاره موجودة منذ خمسينات القرن الماضي أول وحدة جمركية عرفت بالأصل باسم المؤسسة الاقتصادية الأوروبية (European Economic Community)، وتسمى في المملكة المتحدة بشكل غير رسمي بـ “السوق المشتركة”، تأسست في اتفاقية روما للعام 1957 وطبقت في 1 يناير كانون ثاني 1958. هذا التغيير اللاحق للمؤسسة الأوروبية يشكل العماد الأول للإتحاد الأوروبي. تطور الإتحاد الأوروبي من جسم تبادل تجاري إلى شراكة اقتصادية وسياسية.
لم يضع الإتحاد الأوروبي بادئ الأمر أية شروط إضافية لانضمام الدول المرشحة للعضوية ما عدا الشروط العامة التي تم تبنيها في الاتفاقيات المؤسسة للإتحاد. لكن الفرق الشاسع في المستوى الاقتصادي و السياسي بين دول أوروبا الوسطى والشرقية و دول الإتحاد دفع مجلس الإتحاد الأوروبي في عام 1993 ليضع ما يعرف شروط كوبن هاغن:
1. شروط سياسية: على الدولة المترشحة للعضوية أن تتمتع بمؤسسات مستقلة تضمن الديمقراطية و على دولة القانون و أن تحترم حقوق الإنسان و حقوق الأقليات.
2. شروط اقتصادية: وجود نظام اقتصادي فعال يعتمد على اقتصاد السوق و قادر على التعامل مع المنافسة الموجودة ضمن الإتحاد.
3. شروط تشريعية: على الدولة المترشحة للعضوية أن تقوم بتعديل تشريعاتها و قوانينها بما يتناسب مع التشريعات و القوانين الأوروبية التي تم وضعها و تبنيها منذ تأسيس الإتحاد.
الدول الأعضاء
يعتمد الإتحاد الأوروبي في بنيته التنظيمية على 3 أجهزة إدارية تعرف بما يسمى المثلث الإداري وهي مجلس الإتحاد الأوروبي، المفوضية الأوروبية و البرلمان الأوروبي.
أصبح الاتحاد الأوربي من أكبر التكتلات الاقتصادية في العالم وأكثرها اكتمالا من حيث البني والهياكل التكاملية، ومن حيث الاستمرار في المسيرة التكاملية.ومن حيث الإمكانيات فإن هذا التكتل يهيمن تجاريا على أكثر من ثلث التجارة العالمية،.ويحصل على أكبر دخل قومي في العالم، كما يعتبر أضخم سوق اقتصادي داخلي حيث بلغ عدد سكانه أكثر من 380 مليون نسمة وبمتوسطات دخل فردي مرتفعة نسبيا. ويلاحظ أن التكتل الاقتصادي الأوروبي يتخذ إستراتيجية هجومية تجاه الاقتصاد العالمي ويسعى بكل قوة إلى أن يكون على رأس الشكل الهرمي للنظام الاقتصادي العالمي الجديد في القرن الحادي والعشرين، ويمكن أن نلتمس ذلك بجلاء من خلال تفحص أهداف هذا التكتل التي وإن
كانت تركز على تقوية الهياكل والبنى الاقتصادية للاتحاد ،إلا أنها تنص بشكل واضح على سعي الاتحاد إلى دخول القرن الحادي والعشرين بصورة تسمح له بأن يلعب دوراً أكثر فاعلية في كافة المجالات الاقتصادية بل وحتى السياسية. وهذا ما يدعم فرضية الترابط بين ظاهرة تنامي التكتلات الاقتصادية وما يشهده العالم من عولمة اقتصادية على جميع الأصعدة بالأرقام يملك الاتحاد
النافاتا :
من المعروف أن اتفاقية التجارة الحرة لأمريكا الشمالية والمعروفة باسم NAFTA تقتضي بإقامة منطقة حرة بين كل من الولايات المتحدة الأمريكية وكندا والمكسيك.
وقد نشأت فكرة الـ “نافتـا” في عهد الرئيس الأمريكي السابق جورج بوش, وظهرت خلال فترة الركود الاقتصادي الذي شهدته الولايات المتحدة والتي أخذت تبحث عن حل للخروج من دائرة
الركود إلى حالة الانتعاش. وكان في الواقع أهم الحلول المطروحة هو تشجيع التجارة الدولية باعتبارها المحرك الرئيسي في عملية النمو الاقتصاد.
وبعد مباحثات مضنية استمرت 14 شهراً توصلت الولايات المتحدة الأمريكية وكندا والمكسيك في 12/8/1992م, إلى توقيع اتفاقية مبدئية تهدف إلى إقامة منطقة للتجارة الحرة فيما بينها لتشمل قارة أمريكا الشمالية بكاملها. وبناءً على هذه الاتفاقية يتم إزالة كافة الحواجز الحدودية أمام التجارة والاستثمار بين الدول الثلاث خلال حد زمني يمتد نحو 15 عاماً. من تاريخ سريان الاتفاقية ولذي بدأ في أول يناير الحالي 1994م. مما يؤدي إلى تكوين أكبر منطقة استهلاكية في العالم تتمتع بحرية التجارة الداخلية.
وتعتبر هذه الاتفاقية في الواقع مكملة لاتفاقية التجارة الحرة بين كندا والولايات المتحدة والتي تم التوصل إليها في عام 1988م, لضمان التبادل الحر بين الدولتين وزيادة القدرة التنافسية لشركاتها الإنتاجية والخدمية وزيادة معدلات النمو الاقتصادي في البلدين, وهذه المنطقة تكتسب أهمية خاصة ولا يقتصر السبب في ذلك على كونها تشمل في عضويتها دولتين صناعيتين رئيسيتين هما الولايات المتحدة الأمريكية وكندا ودولة نامية هي المكسيك فحسب, بكل لكونها أيضاً تمثل تحولاً في السياسيه
التجارية للولايات المتحدة من التركيز على العلاقات متعددة الأطراف إلى التوجه نحو سياسات تجارية مركبة تجمع بين الإقليمية والتعددية في العلاقات التجارية في آن واحد
ولو ركزنا الصورة أكثر على العلاقات التجارية بين البلدان الثلاثة:
فقد ارتفعت الصادرات الأمريكية على المكسيك ثلاثة أضعاف لتصل على 44 مليار دولا خلال العام 1992م.
بينما ارتفعت الواردات الأمريكية من المكسيك لتصل إلى 33.2 مليار دولار عام 1992م, كما ارتفعت الصادرات الأمريكية على كندا لتبلغ 85.1 مليار دولار عام 1991م, بينما ارتفعت الواردات الأمريكية من كندا لتبلغ 9101 مليار دولار للفترة نفسها.
وأخيراً, صادرات المكسيك إلى كندا بلغت 2.6 مليار و واردات المكسيك من كندا بلغت نصف مليار للعام 1991م.
ويتضح لنا من خلال استقراء هذه البيانات التفاوت الكبير في العلاقة بين الشركاء الثلاثة.
كذلك عند مقارنة حجم الناتج المحلي في البلدان الثلاثة ليس في صالح المكسيك مطلقاً إذ يبلغ الناتج المحلي الأمريكي عشرة أضعاف الناتج المحلي الكندي وعشرين ضعفاً للناتج المحلي المكسيكي, وهذا بلا شك يعكس السيطرة الأمريكية شبة مطلقة.
كما يتجلى الفارق بين الشركاء الثلاثة أيضاً عند مقارنة كلفة اليد العاملة والإنتاجية. فيد العاملة المكسيكية أرخص بنسبة7-5 مرات منها في كندا والولايات المتحدة الأمريكية.
وأخيراً فإن متوسط الدخل الفردي الأمريكي يساوي عشرة أضعافه في المكسيك .
هذه التفاوتات الكبيرة تثير ردود فعل مختلفة بين مؤيد ومعارض للاتفاق في كل من البلدان الثلاثة.
. التكتل الاقتصادي الآسيوي :
يمكن تمييز محورين في هذا التكتل الاقتصادي :-
الأول/ رابطة جنوب شرق آسيا المعروفة باسم الآسيان(asean):- يتكون هذا التكتل من ست دول هي:تايلاند، سنغافورة، ماليزيا، بروناي، إندونيسيا، الفلبين. وقد أنشئ في العام 1967 وكان هدفه في البدء سياسياً يتلخص بإقامة حلف مضاد للشيوعية، وبعد الأضرار التي لحقت بدول التكتل جراء
السياسات الحمائية المتبعة من قبل الولايات المتحدة وأوروبا تجاه صادرات تلك الدول، أخذت تهتم بالتعاون الاقتصادي وهكذا أنشئت تكتل (الآسيان) الذي أرسى خطوة هامة على طريق تأسيس جبهة منظمة مضادة للتكتلات الاقتصادية الأخرى ثم أخذ دوره يتزايد في التجارة الدولية باستمرار، فبعد أن كانت صادرات المجموعة لا تمثل سوى3%من إجمالي الصادرات العالمية، وحوالي 5. 11% من إجمالي صادرات الدول النامية ، وصلت هذه الصادرات إلى 5%من إجمالي الصادرات العالمية، وحوالي 18%من إجمالي صادرات الدول النامية.
الثاني / جماعة التعاون الاقتصادي لآسيا الباسيفيكية والمعروفة باسم (apec):- تتكون هذه الجماعة من ثمانية عشر دولة على رأسها اليابان والصين واستراليا والولايات المتحدة وكندا والمكسيك ونيوزيلندة وكوريا الجنوبية، ودول رابطة الآسيان. وقد جاء إنشاء هذا التجمع الاقتصادي العملاق كرد فعل على إعلان قيام أوروبا الموحدة عام 1992.و يسيطر التجمع على حوالي 50% من الناتج القومي الإجمالي العالمي والتجارة العالمية
السوق العربية المشتركة :
ترجع فكرة إقامة السوق العربية المشتركة إلى عام ١٩٦٤ عندما عقد مجلس الوحدة
الاقتصادية العربية اتفاقية ذات برنامج زمني اشتمل على مراحل متدرجة يتم خلالها تحرير التجارة
من الضرائب الجمركية والقيود الاستيرادية الأخرى . وأطلق على تلك الاتفاقية : اتفاقية السوق
العربية المشتركة ، انضمت أربع دول للسوق في عام ١٩٦٥ وهي : مصر وسوريا و الأردن
والعراق، وبعد اثنتي عشرة سنة أخرى انضمت ثلاث دول أخرى هي : ليبيا واليمن وموريتانيا عام
١٩٧٧ . والحقيقة أنه خلال تلك الفترة كانت السوق العربية المشتركة في حقيقتها وجوهرها منطقة
تجارة حرة ولم تتطور إلى اتحاد جمركي أو سوق مشتركة . ولكن على الرغم من ذلك فقد حققت في
حينها زيادة واضحة في حجم التجارة البينية لتلك الدول . ثم ظلت السوق قائمة حتى عام ١٩٨٠
حينما تم تجميد عضوية مصر في الجامعة العربية بعد توقيع معاهدة السلام مع إسرائيل ، فتوقفت
الدول الأخرى في السوق العربية المشتركة عن تطبيق الاتفاقية المعقودة بعد خروج أكبر سوق من
حيث الحجم من الاتفاقية
وفي عام ١٩٩٨ أصدر مجلس الوحدة الاقتصادية العربية قرارا بشأن اعتماد البرنامج التنفيذي
لاستئناف تطبيق اتفاقية السوق العربية المشتركة بشكل تدريجي على ثلاث مراحل يتم خلالها إلغاء
كافة الضرائب الجمركية والقيود ذات الأثر المشابه بدءا من عام ١٩٩٩ وتم الاتفاق على تخفيض
قدره ٤٠ % من الضرائب الجمركية في كانون الثاني ( يناير ) ٢٠٠٠ و ٣٠ % في كانون الثاني
. ٢٠٠١ وأخيرا ٣٠ % في كانون الثاني ٢٠٠٢
تحفظت سوريا والأردن على هذا القرار ورأتا الاكتفاء بتطبيق اتفاقية منطقة التجارة الحرة
العربية الكبرى وعدم جدوى هذا القرار، وطلبت كل من اليمن وموريتانيا تأجيل تنفيذ التزاماتها
خمس سنوات ، أما العراق فلا يزال تحت الحصار الاقتصادي ، أما مصر فقد وافقت على الإسراع
بتطبيق القرار . أما ليبيا فقد ألغت الضرائب الجمركية على وارداتها دفعة واحدة أن متابعة أداء الدول العربية اقتصاديا تبين لنا أن الناتج المحلي الإجمالي لها جميعا قد انخفض من ٥ر ٣% من أجمالي الناتج المحلي الإجمالي العالمي عام ١٩٩٢ إلى ٥ر ٢% عام 2000 ، كما تعادل التجارة العربية فقط ٧ر ٢% من إجمالي التجارة العالمية . ويصل حجم التجارة العربية البينية الى ٥ر ٨% من مجموع التجارة العربية والتي تصل نسبتها مع أوروبا الى ٧٥كما تعاني الدول العربية في مجموعها من فجوة غذائية تصل الى ٤ر ١٢ % من حاجتها الى الغذاء كما يعاني ٦٣ % من العرب مشكلة الفقر ، وتعاني ٧٥ % من نساء العرب من الأمية وذلك كله في عصر الألفية الثالثة . كل ذلك على الرغم من الإمكانات الواسعة للمشروعات المشتركة في المجالات الزراعية والصناعية والخدمية المختلفة ولذا يمكن القول إن تجربة السوق العربية المشتركة لم تنجح حتى الآن.